فصل: باب قول اللَّهُ تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} إِلَى: {بَصِيرٌ} (البقرة: 233)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


باب مَهْرِ الْبَغِىِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ

وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً، وَهُوَ لا يَشْعُرُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أَخَذَتْ، وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ‏:‏ لَهَا صَدَاقُهَا‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو مَسْعُود، قَالَ‏:‏ نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَمَهْرِ الْبَغِىِّ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وقال أَبُو جُحَيْفَةَ، نَهَى النَّبِىّ عَنْ مَهْرِ البْغِىِّ‏.‏

وقال أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الإمَاءِ‏.‏

مهر البغى حرام بإجماع الأمة، ولا يلحق فيه نسب، وأما النكاح الفاسد ينقسم قسمين‏:‏ يكون فساده فى العقد، أو فى الصداق، فما فسد فى العقد لا ينعقد عند أكثر الأمة، ومنه ما ينعقد عند بعضهم، فما فسخ قبل البناء مما فسد لعقد فلا صداق فيه، ويرد ما أخذت، وما فسخ بعد البناء ففيه المسمى، وما فسد لصداقه كالبيع فى فساد ثمنه، أنه يفسخ قبل الدخول، ويمضى إذا فات بالدخول ويرد إلى قيمته‏.‏

وآخر قول ابن القاسم‏:‏ أن كل ما نص الله ورسوله على تحريمه ولا يختلف فيه، فإنه يفسخ بغير طلاق، وإن طلق فيه لا يلزم ولا يتوارثان كمتزوج الخامسة، وأختًا من الرضاعة، والمرأة على عمتها وخالتها، أو من تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج ابنتها، أو نكح فى العدة‏.‏

قال‏:‏ فكل ما اختلف الناس فى إجازته أو فسخه، فالفسخ فيه بطلاق، وتقع فيه الموارثة والطلاق والخلع بما أخذ، ما لم يفسخ، كالمرأة تزوج نفسها أو تنكح بغير ولى أو أمة بغير إذن السيد أو بغرر فى صداق، إذ لو قضى به قاض لم أنقضه، وكذلك نكاح المحرم والشغار للاختلاف فيهما‏.‏

وأما من تزوج محرمة وهما لا يعلمان التحريم، ففرق بينهما، فلا حد عليهما، واختلف العلماء فى صداقها على قولين بحسب اختلاف قول الحسن البصرى، فقوله‏:‏ لها ما أخذت، يعنى صداقها المسمى، وقوله بعد ذلك‏:‏ لها صداقها، يريد صداق مثلها، وسائر الفقهاء على هذين القولين؛ طائفة تقول بصداق المثل، وطائفة تقول المسمى، وأما من تزوج محرمة وهو عالم بالتحريم، فقال مال، وأبو يوسف، ومحمد، والشافعى‏:‏ عليه الحد، ولا صداق فى ذلك‏.‏

وقال الثورى، وأبو حنيفة‏:‏ لا حد عليه، وإن علم عزر‏.‏

قال أبو حنيفة‏:‏ ولا يبلغ به أربعين‏.‏

وفرق ابن القاسم بين الشراء والنكاح، فأوجب فى نكاح المحرمة إذا علم تحريمها الحد، ولا حد عليه إذا اشتراها ووطئها وهو عالم بتحريمها، وسائر الفقهاء غير الكوفيين لا يفرقون بين النكاح والملك فى ذلك، ويوجبون الحد فى كلا الوجهين‏.‏

وحجة أبى حنيفة، قال‏:‏ العقد شبهة، وإن كان فاسدًا كما لو وطئ جارية بينه وبين شريكه، فالوطء محرم باتفاق، ولا حد عليه للشبهة، وكذلك الأنكحة الفاسدة كنكاح المتعة، والنكاح بلا ولى ولا شهود، ووطء الحائض، والمعتكفة، والمحرمة، وهذا كله وطء محرم لا حد فيه، وحجة مالك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 15‏]‏ الآية، وهذه فاحشة، وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم السبيل ما هى بالرجم، وأجمع العلماء أن العقد على أمه وأخته لا يجوز بإجماع ولا شبهة فيه، وإنما هو قاصد إلى الزنا وإسقاط الحد عن نفسه بالنكاح‏.‏

باب إرخاء الستور والْمَهْرِ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا وَكَيْفَ الدُّخُولُ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَسِيسِ‏؟‏

- فيه‏:‏ ابْن عُمَرَ، فَرَّقَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَىْ بَنِى الْعَجْلانِ، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏؟‏ الحديث فَقَالَ الرَّجُلُ‏:‏ مَالِى‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْكَ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى الدخول وبما يثبت‏؟‏ فقالت طائفة‏:‏ إذا أغلق بابًا، أو أرخى سترًا على المرأة، فقد وجب الصداق والعدة، روى ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وابن عمر، وهو قول الكوفيين، والثورى، والليث، والأوزاعى، وأحمد، واحتجوا بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن كنت صادقًا فقد دخلت بها‏)‏، قالوا‏:‏ فجعل النبى صلى الله عليه وسلم الدخول بالمرأة دليلاً على الجماع، وإن كان قد لا يقع الجماع مع الدخول، لكن حمله على ما يقع فى الأكثر، وهو الجماع لما ركب الله فى نفوس عباده من شهوة النساء‏.‏

قال الكوفيون‏:‏ فالخلوة الصحيحة يجب معها المهر كله بعد الطلاق، وطئ أو لم يطأ، إن ادعته أو لم تدعه، إلا أن يكون أحدهما محرمًا، أو مريضًا، أو صائمًا، أو كانت المرأة حائضًا، فإن كانت الخلوة فى مثل هذه الحال، ثم طلق لم يجب إلا نصف المهر، وعليها العدة عندهم فى جميع هذه الوجوه‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا يجب المهر إلا بالمسيس، روى ذلك عن ابن مسعود، وابن عباس، وبه قال شريح، والشعبى، وابن سيرين، وإليه ذهب الشافعى، وأبو ثور، واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 237‏]‏، وقال‏:‏ ‏(‏فما لكم عليهن من عدة تعتدونها‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 49‏]‏، فأخبر تعالى أنها تستحق بالطلاق قبل المسيس نصف ما فرض لها، وأوجب العدة بالمسيس، ولا تعرف الخلوة دون وطء مسيسًا، ومن حجة هذا القول رواية من روى فى هذا الحديث‏:‏ ‏(‏إن كنت صدقت عليها فبما استحللت من فرجها‏)‏، ذكره فى باب قول الإمام للمتلاعنين‏:‏ إن أحدكما كاذب‏.‏

وفيها قول ثالث‏:‏ قال سعيد بن المسيب‏:‏ إذا دخل بالمرأة فى بيتها صدق عليها، وإذا دخلت عليه فى بيته صدقت عليه، وهو قول مالك، واحتج أصحابه، فقالوا‏:‏ تفسير قول سعيد بن المسيب أنها تصدق عليه فى بيته؛ لأن البيت فى البناء بيت الرجل وعليه الإسكان، فدخلوها فى بيته هو دخول بناء، ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏فى بيتها‏)‏، يريد إذا زارها فى بيتها عند أهلها أو وجدها ولم يدخل عليها دخول بناء، فادعت أنه مسها وأنكر فالقول قوله؛ لأنه مدعى عليه، وهذا أصله فى المتداعين أن القول قول من شبهته قوية كاليد وشبهها‏.‏

قال مالك‏:‏ فإذا دخل بها فقبلها أو كشفها واتفقا أنه لم يمسها، فلها نصف الصداق إن كان ذلك قريبًا، وإن تطاول مكثه معها ثم طلقها، فلها المهر كاملاً، وعليها العدة أبدًا‏.‏

وروى ابن وهب، عن مالك أنه رجع عن قوله فى الموطأ، فقال‏:‏ إذا خلا بها حيث كان فالقول قول المرأة‏.‏

وذكر ابن القصار عن الشافعى أنه إذا دخل بها، فقال‏:‏ لم أطأ، وقالت‏:‏ وطئنى، فالقول قول الزوج؛ لأن الخلوة غير المسيس الذى يوجب المهر‏.‏

وروى ابن علية، عن عوف، عن زرارة بن أوفى، قال‏:‏ مضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابًا أو أرخى سترًا فقد وجب المهر والعدة، بهذا احتج الكوفيون بأنه معلوم أنه لا يرخى الستر فى الغالب إلا للوطء، فهى دلالة عليه‏.‏

وقوله فى الترجمة‏:‏ وكيف الدخول أو طلقها قبل الدخول، تقديره‏:‏ أو كيف طلاقها‏؟‏ فاكتفى بذكر الفعل عن ذكر المصدر لدلالته عليه، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ 10‏]‏، فأقام‏)‏ تؤمنون ‏(‏، وهو فعل مقام الإيمان وهو مصدر‏.‏

باب الْمُتْعَةِ لِلَّتِى لَمْ يُفْرَضْ لَهَا

لِقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 236‏]‏ الآية، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 241‏]‏ وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِى الْمُلاعَنَةِ مُتْعَةً حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا - فيه‏:‏ ابْن عُمَر‏:‏ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُتَلاعِنَيْنِ‏:‏ ‏(‏حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا‏)‏‏.‏

قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِى‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَذَاكَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى المتعة، فقالت طائفة‏:‏ المتعة واجبة للمطلقة التى لم يدخل بها ولم يسم لها صداقًا، روى ذلك عن ابن عباس، وابن عمر، وهو قول عطاء، والشعبى، والنخعى، والزهرى، وبه قال الكوفيون، ولا يجمع مهر مع المتعة‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لكل مطلقة متعة مدخولاً بها كانت أو غير مدخول بها، إذا وقع الفراق من قبله ولم يتم إلا به إلا للتى سمى لها وطلقها قبل الدخول، هذا قول الشافعى، وأبى ثور، وروى عن على بن أبى طالب‏:‏ لكل مطلقة متعة، وروى مثله عن الحسن، وأبى قلابة، وطائفة، وحجتهم عموم قوله‏:‏ ‏(‏وللمطلقات متاع بالمعروف‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 241‏]‏، ولم يخص‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ المتعة ليست بواجبة فى موضع من المواضع، هذا قول ابن أبى ليلى، وأبى الزناد، وربيعة، وهو قول مالك، والليث، وابن أبى سلمة‏.‏

واحتج الشافعى بما روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال‏:‏ لكل مطلقة متعة، إلا التى فرض لها مهر، وقد طلقت ولم يدخل بها فحسبها نصف المهر، وقال الشافعى‏:‏ وأحسب ابن عمر استدل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 237‏]‏، فاستدل بالقرآن على أنها مخرجة من جميع المطلقات‏.‏

ولعله رأى أنه إنما أريد أن تكون المطلقة تأخذ بما استمتع به زوجها منها عند طلاقها شيئًا، فلما كانت المدخول بها تأخذ شيئًا، وغير المدخول بها تأخذ أيضًا إذا لم يفرض لها، وكانت التى لم يدخل بها، وقد فرض لها تأخذ بحكم الله نصف المهر، وهو أكثر من المتعة، ولم يستمتع منها بشىء، فلم تجب لها متعة‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ حجة الكوفيين‏:‏ وجدنا النساء فى المتعة على ثلاثة ضروب، فكانت الآية التى فيها ذكر المعين لصنفين منهن من المطلقات بعد الدخول إن كان فرض لها صداق أو لم يفرض، والمطلقات قبل الدخول مع تسمية صدقاتهن، فلأولئك المهور كوامل بالمسيس، ولهؤلاء الشطر منها بالتسمية، فلما صار هذان الحقان واجبين، كانت المتعة حينئذ تقوى من الله غير واجبة، ووجدنا الآية التى فيها ذكر الموسر والمقتر هى للنصف الثالث، وهى للمطلقات من غير دخول بهن ولا فرض لهن، وذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 236‏]‏ الآية، فصارت المتعة لهن حتمًا واجبًا، ولولا هذه المتعة لصار عقد النكاح إذًا يذهب باطلاً من أجل أنهن لم يمسسن، فيستحققن الصدقات ولم يفرض لهن، فيستحققن أيضًا فيها، فلابد من المتعة على كل حال‏.‏

واحتج من لم يوجب المتعة أصلاً، فقال‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومتعوهن‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 236‏]‏، وإن كان ظاهره الوجوب، فقد قرن به ما يدل على الاستحباب، وذلك أنه تعالى قرن بين المعسر والموسر، والواجبات فى النكاح على ضربين، إما أن يكون على حسل حال المنكوحات كالصداق الذى يرجع فيه إلى صداق مثلها، أو يكون على حسب حالهما جميعًا كالنفقات، والمتعة خارجة من هذين المعنيين؛ لأنه اعتبر فيها حال الرجل وحده بأن يكون على الموسر أكثر مما على المعسر، وأيضًا فإن المتعة لو كانت فرضًا كانت مقدرة معلومة كسائر الفرائض فى الأموال، ولم نر فرضًا واجبًا فى المال غير معلوم، فلما لم تكن كذلك خرجت من حد الفرائض إلى حد الندب، وصارت كالصلة والهدية، وأيضًا فإن الله تعالى لما علقها بقوم دل على أنها غير واجبة؛ لأن الواجبات ما لزمت الناس عمومًا كالصلاة والصيام والحج والزكاة، فلما قال‏:‏ ‏(‏حقًا على المحسنين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 236‏]‏، و‏)‏ حقًا على المتقين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 180‏]‏، سقط وجوبها عن غيرهم‏.‏

وكذلك تأوله شريح، فقال لرجل‏:‏ متع إن كنت محسنًا، متع إن كنت متقيًا‏.‏

وقول البخارى‏:‏ ولم يذكر النبى صلى الله عليه وسلم فى الملاعنة متعة حين طلقها زوجها، حجة لمن قال‏:‏ لكل مطلقة متعة، والملاعنة غير داخلة فى جملة المطلقات، فلا متعة لها عند مالك والشافعى‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ لا متعة فى كل نكاح مفسوخ، والتلاعن عندهم كالفسخ؛ لأنهما لا يقران على النكاح، فأشبه الردة، قال‏:‏ وكل فرقة كانت من قبل المرأة قبل البناء وبعده فلا متعة فيها‏.‏

وأوجب الشافعى للمختلعة والبارية متعة‏.‏

وقال أصحاب مالك‏:‏ كيف يكون للمفتدية متعة وهى تعطى، فكيف تأخذ متاعًا‏؟‏ وقال ابن المنذر‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 236‏]‏، دليل على إباحة نكاح المرأة ولا يفرض لها صداقًا، ثم يفرض لها إن مات أو دخل عليها مهر مثلها‏.‏

واختلفوا إن مات ولم يفرض لها، فقالت طائفة‏:‏ لها مهر مثلها ولها الميراث وعليها العدة، روى هذا عن ابن مسعود، وبه قال ابن أبى ليلى، والثورى، والكوفيون، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لها الميراث وعليها العدة ولا مهر لها، روى هذا عن على بن أبى طالب، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر، وبه قال مالك، والأوزاعى، والشافعى، واستحب مالك ألا يدخل عليها حتى يقدم لها شيئًا أقله ربع دينار‏.‏

والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

كِتَاب النَّفَقَاتِ

باب فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأهْلِ

وَقَوْلهُ تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 219‏]‏‏.‏

وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ الْعَفْوُ الْفَضْلُ‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو مَسْعُود الأنْصَارِىِّ، قَالَ النَّبِىّ عَلَيْهِ السَّلام‏:‏ ‏(‏إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏(‏قال اللَّهُ‏:‏ أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏السَّاعِى عَلَى الأرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ كالْقَائِمِ اللَّيْلَ، الصَّائِمِ النَّهَارَ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ سَعْد، كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِى، وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ‏:‏ لِى مَالٌ، أُوصِى بِمَالِى كُلِّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لا‏)‏، قُلْتُ‏:‏ فَالشَّطْرِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏لا‏)‏، قُلْتُ‏:‏ فَالثُّلُث، قَالَ‏:‏ ‏(‏الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِى أَيْدِيهِمْ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إلى فِى امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ حَتَّى يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ، وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ‏)‏‏.‏

اختلف السلف فى تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 219‏]‏، فروى عن أكثر السلف أن المراد بذلك صدقة التطوع، روى ذلك عن القاسم وسالم، قالا‏:‏ العفو فضل المال ما تصدق به عن ظهر غنى‏.‏

وقال الحسن‏:‏ لا تنفق حتى يجهد مالك فتبقى تسأل الناس، وفيها قول ثالث عن مجاهد، قال‏:‏ العفو الصدقة المفروضة‏.‏

قال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ وما ذكره مجاهد غير ممتنع؛ لأن الذى يؤخذ فى الزكاة قليل من كثير، ولكن ظاهر التفسير ومقصد الكلام يدل أنه فى غير الزكاة، والله أعلم‏.‏

وقال الزجاج‏:‏ أمر الناس أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ الرجل من كسبه كل يوم ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما ينفقون فى عامهم وينفقون باقيه، روى هذا فى التفسير‏.‏

ذكر البخارى أن الآية عامة فى النفقة على الأهل وغيرهم؛ لأن الرجل لا تلزمه النفقة على أهله إلا بعد ما يعيش به نفسه، وكان ذلك عن فضل قوته، وقد جاء فى الحديث عن النبى، عليه السلام، فى هذه الأحاديث أن نفقة الرجل على أهله صدقة، فلذلك ترجم بالآية فى النفقة على الأهل‏.‏

قال الطبرى‏:‏ إن قال قائل‏:‏ ما وجه حديث أبى مسعود وحديث سعد وما تأويلهما، وكيف يكون إطعام الرجل أهله الطعام صدقة وذلك فرض عليه‏؟‏ فالجواب‏:‏ أن الله تعالى جعل من الصدقة فرضًا وتطوعًا، ومعلوم أن أداء الفرض أفضل من التطوع، فإذا كان عند الرجل قدر قوته ولا فضل فيه عن قوت نفسه، وبه إليه حاجة، فهو خائف بإيثاره غيره به هلاك نفسه، كائنًا من كان غيره الذى حاجته إليه مثل حاجته، والدًا كان أو ولدًا أو زوجة أو خادمًا، فالواجب عليه أن يحيى به نفسه، وإن كان فيه فضل كان عليه صرف ذلك الفضل حينئذ إلى غيره ممن فرض الله نفقته عليه، فإن كان فيه فضل عما يحيى به نفسه ونفوسهم، وحضره من لم يوجب الله عليه نفقته، وهو مخوف عليه الهلاك إن لم يصرف إليه ذلك الفضل كان له صرف ذلك إليه بثمن أو بقيمة، وإن كان فى سعة وكفاية ولم يخف على نفسه ولا على أحد ممن تلزمه نفقته، فالواجب عليه أن يبدأ بحق من أوجب الله حقه فى ماله، ثم الأمر إليه فى الفضل من ماله، إن شاء تطوع بالصدقة به، وإن شاء ادخره، وإذا كان المنفق على أهله إنما يؤدى فرضًا لله واجبًا له فيه جزيل الأجر، فذلك إن شاء الله معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ومهما أنفقت نفقة، فهى لك صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى فى امرأتك‏)‏؛ لأنه بفعله ذلك يؤدى فرضًا لله عليه هو أفضل من صدقة التطوع التى يتصدق بها على غريب منه لا حق له فى ماله‏.‏

باب وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الأهْلِ وَالْعِيَالِ

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قال‏:‏ قال النَّبِىُّ، عَلَيْهِ السَّلام‏:‏ ‏(‏أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ‏:‏ إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِى، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِى، وَيَقُولُ الْعَبْدُ‏:‏ أَطْعِمْنِى، وَاسْتَعْمِلْنِى، وَيَقُولُ الابْنُ‏:‏ أَطْعِمْنِى إِلَى مَنْ تَدَعُنِى‏)‏‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لا، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِى هُرَيْرَةَ‏.‏

قال المهلب‏:‏ النفقة على الأهل والعيال واجبة بإجماع، وهذا الحديث حجة فى ذلك‏.‏

وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏وابدأ بمن تعول‏)‏، ولم يذكر إلا الصدقة يدل أن نفقته على من يعول من أهل وولد محسوب له فى الصدقة، وإنما أمرهم الله أن يبدءوا بأهليهم خشية أن يظنوا أن النفقة على الأهل لا أجر لهم فيها، فعرفهم عليه السلام أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غيرهم إلا بعد أن يقوتوهم‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏وابدأ بمن تعول‏)‏، إنما قال ذلك؛ لأن حق نفس المرء عليه أعظم من حق كل أحد بعد الله، فإذا صح ذلك فلا وجه لصرف ما هو مضطر إليه إلى غيره، إذ كان ليس لأحد إحياء غيره بإتلاف نفسه وأهله، وإنما له إحياء غيره بغير إهلاك نفسه وأهله وولده، إذ فرض عليه النفقة عليهم، وليست النفقة على غيرهم فرضًا عليه، ولا شك أن الفرض أولى بكل أحد من إيثار التطوع عليه‏.‏

وفيه‏:‏ أن النفقة على الولد ما داموا صغارًا فرض عليه؛ لقوله‏:‏ إلى من تدعنى‏؟‏ وكذلك نفقة العبد والخادم للمرء واجبة لازمة‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ واختلفوا فى نفقة من بلغ من الأبناء ولا مال له ولا كسب، فقالت طائفة‏:‏ على الأب أن ينفق على ولد صلبه الذكور حتى يحتلوا والنساء حتى يزوجن ويدخل بهن، فإن طلقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها، وإن طلقها قبل البناء فهى على نفقتها، ولا نفقة لولد الولد على الجد، هذا قول مالك‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ ينفق على ولده حتى يبلغ الحلم والمحيض، ثم لا نفقة عليه إلا أن يكونوا زمنى، وسواء فى ذلك الذكور والإناث ما لم يكن لهم أموال، وسواء فى ذلك ولده أو ولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم، هذا قول الشافعى‏.‏

وقال الثورى‏:‏ يجبر الرجل على نفقة ولده الصغار غلامًا كان أو جارية، فإن كانوا كبارًا أجبر على نفقة النساء ولا يجبر على نفقة الرجال إلا أن يكونوا زمنى‏.‏

وأوجبت طائفة النفقة لجميع الأطفال والبالغين من الرجال والنساء إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوالد على ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند‏:‏ ‏(‏خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف‏)‏، ولم يستثن ولدًا بالغًا دون طفل‏.‏

وقوله فى حديث أبى هريرة‏:‏ يقول الابن‏:‏ أطعمنى إلى من تدعنى‏؟‏ يدل على أنه إنما يقول ذلك من لا طاقة له على الكسب والتحرف، ومن بلغ سن الحلم فلا يقول ذلك؛ لأنه قد بلغ حد السعى على نفسه والكسب لها، بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 6‏]‏، فجعل بلوغ النكاح حدًا فى ذلك‏.‏

واختلفوا فى المعسر هل يفرق بينه وبين امرأته بعدم النفقة‏؟‏ فقال مالك، والليث، والأوزاعى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور‏:‏ إذا أعسر بالنفقة، فللزوجة الخيار بين أن تقيم عليه، ولا يكون لها شىء فى ذمته أصلاً، وبين أن تطلب الفراق فيفرق الحاكم بينهما، وقاله من الصحابة عمر، وعلى، وأبو هريرة، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وقال‏:‏ إن ذلك سنة‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا يفرق بينهما ويلزمها الصبر عليه وتتعلق النفقة بذمته بحكم الحاكم، هذا قول عطاء، والزهرى، وإليه ذهب الكوفيون والثورى، واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 280‏]‏، فوجب أن ينظر حتى يوسر، وبقوله‏:‏ ‏(‏وأنكحوا الأيامى منكم ‏(‏إلى‏)‏ يغنهم الله‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 32‏]‏، فندب تعالى إلى إنكاح الفقير، فلا يجوز أن يكون الفقر سببًا للفرقة، وهو مندوب معه إلى النكاح‏.‏

واحتج عليهم أهل المقالة الأولى بقوله عليه السلام فى حديث أبى هريرة‏:‏ إما أن تطعمنى، وإما أن تطلقنى، وهذا نص قاطع فى موضع الخلاف، وقالوا أيضًا‏:‏ أما قوله‏:‏ ‏(‏إن يكونوا فقراء يغنهم الله‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 32‏]‏، لم يرد الفقير الذى لا شىء معه أصلاً، وإنما المراد الفقير الذى حالته منحطة عن حالة الغنى، بدليل أنه ندبه إلى النكاح، وأجمعوا أنه من لا يقدر على نفقة الزوجة غير مندوب إلى النكاح ولا مستحب له‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 280‏]‏، فإنما ورد فى المداينات التى تتعلق بالذمم، واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 231‏]‏، وإذا لم ينفق عليها فهو مضر بها، فوجب عليه الفراق إن طلبته، فإن قال الكوفيون‏:‏ لو كان قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ‏(‏، نهيًا واجبًا لم يجز الإمساك وإن رضيته، فيقال لهم‏:‏ قامت دلالة الإجماع على جواز إمساكهن إذا رضين بذلك، وأما الإعسار فلو أعسر بنفقة خادم أو حيوان له، فإن ذلك يزيل ملكه عنه ويباع عليه، كذلك الزوجة، وأيضًا فإن العنين يجبر على طلاق زوجته إذا لم يطأ، والوطء لمدة يمكن الصبر على فقدها ويقوم بدن المرأة بعدمها، والصبر عن القوت ليس كذلك فصارت الفرقة أولى عند عدم النفقة‏.‏

باب حَبْسِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ

- وَقَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ لِى الثَّوْرِىُّ‏:‏ هَلْ سَمِعْتَ فِى الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ‏؟‏ قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ فَلَمْ يَحْضُرْنِى، ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيث ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ بن الخطاب‏:‏ أَنَّ النَّبِىَّ عليه السَّلام كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِى النَّضِيرِ، وَيَحْبِسُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ‏.‏

- وفيه‏:‏ إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِى هَذَا الْمَالِ بِشَىْءٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏- إلى قوله-‏:‏ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنه، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِىَ، فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

قال المهلب‏:‏ فى هذا الحديث دليل على جواز ادخار القوت للعالم للأهل والعيال، وأن ذلك لا يكون حكرة، وأن ما ضمه الإنسان من أرضه أو جَدَّه من نخله وثمره وحبسه لقوته لا يسمى حكرة، ولا خلاف فى هذا بين الفقهاء‏.‏

قال الطبرى‏:‏ فى هذا رد على الصوفية فى قولهم‏:‏ إنه ليس لأحد ادخار شىء فى يومه لغده، وأن فاعل ذلك قد أساء الظن بربه، ولم يتوكل عليه حق توكله، ولا خفاء بفساد هذا القول؛ لثبوت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدخر لأهله قوت السنة‏.‏

وفيه أكبر الأسوة لأمر الله تعالى عباده باتباع سنته، فهو الحجة على جميع خلقه، وقد تقدم هذا المعنى مستوعبًا فى كتاب الخمس فى باب نفقة نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فأغنى عن إعادته‏.‏

باب قول اللَّهُ تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ‏}‏ إِلَى‏:‏ ‏{‏بَصِيرٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏

وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 6‏]‏ الآية وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ‏:‏ نَهَى اللَّهُ أَنْ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا، وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْوَالِدَةُ‏:‏ لَسْتُ مُرْضِعَتَهُ‏.‏

وَهِىَ أَمْثَلُ لَهُ غِذَاءً، وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْبَى بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُضَارَّ بِوَلَدِهِ وَالِدَتَهُ، فَيَمْنَعَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ ضِرَارًا لَهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَسْتَرْضِعَا عَنْ طِيبِ نَفْسِ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا ‏[‏عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ‏]‏ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ، ‏{‏فِصَالُهُ‏}‏‏:‏ فِطَامُهُ‏.‏

قال أهل التأويل‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏، لفظه لفظ الخبر، ومعناه الأمر لما فيه من الإلزام، كما تقول‏:‏ حسبك درهم، فلفظه لفظ الخبر، ومعناه‏:‏ اكتف بدرهم، ومعنى الآية‏:‏ لترضع الوالدات أولادهن، يعنى اللواتى بن من أزواجهن، ولهن أولاد قد ولدنهن منهم قبل بينونتهن، يرضعن أولادهن، يعنى أنهن أحق برضاعهن من غيرهن، وليس ذلك بإيجاب من الله عليهن رضاعهم إذا كان المولود له حيًا موسرًا، بقوله فى سورة النساء القصرى‏:‏ ‏{‏فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 6‏]‏، فأخبر أن الوالدة والمولود له إن تعاسرا فى الأجرة التى ترضع بها المرأة ولدها أن أخرى سواها ترضعه، فلم يوجب عليها فرضًا رضاع ولدها‏.‏

وبيان ذلك أن قوله‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏، دلالة على مبلغ غاية الرضاعة التى متى اختلف الوالدان فى إرضاع الولد بعدها جعل حدا يفصل به بينهما، لا دلالة على أن فرضًا على الوالدات رضاع أولادهن، وأكثر أهل التفسير على أن المراد بالوالدات هاهنا المبتوتات بالطلاق، وأجمع العلماء على أن أجر الرضاع على الزوج إذا خرجت المطلقة من العدة‏.‏

قال مالك‏:‏ الرضاع على المرأة إن طلقها طلاقًا رجعيًا ما لم تنقض العدة، فإن انقضت فعلى الأب أجر الرضاع، وكذلك إن كان الطلاق ثلاثًا فعليه أجر الرضاع، وإن لم تنقض العدة، والأم أولى بذلك إلا أن يجد الأب بدون ما سألت، فذلك له إلا ألا يقبل الولد غيرها ويخاف على الولد الموت فلها رضاعه بأجر مثلها وتجبر على ذلك‏.‏

واختلفوا فى ذات الزوج هل تجبر على رضاع ولدها‏؟‏ فقال ابن أبى ليلى‏:‏ تجبر على رضاعه ما كانت امرأته، وهذا قول مالك، وأبى ثور‏.‏

وقال الكوفيون، والثورى، والشافعى‏:‏ لا يلزمها رضاعه وهو على الزوج على كل حال‏.‏

وقال ابن القاسم‏:‏ تجبر على رضاعه إلا أن يكون مثلها لا يرضع، فذلك على الزوج، وحجة من جعل الرضاع على الأم ظاهر قوله‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏بالمعروف‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏، فأمر الوالدات الزوجات بإرضاع أولادهن، وأوجب لهن على الأزواج النفقة والكسوة، والزوجية قائمة، فلم يجمع لهما النفقة والأجرة، فلو كان الرضاع على الأب لذكره مع ما ذكر من رزقهن وكسوتهن، ولم يوجب ذلك على الوالدات، ولا يراد بالآية الوالدات اللاتى بنَّ من أزواجهن‏.‏

وحجة من قال‏:‏ الرضاع على الأب، أنه لا يخلو أن تجبر على رضاعه لحرمة الولد أو لحرمة الزوج، قالوا‏:‏ فبطل أن تجبر لحرمة الولد؛ لأنها لا تجبر عليه إذا كانت مطلقة ثلاثًا بإجماع، وحرمة الولد موجودة، وبطل أن تجبر لحرمة الزوج؛ لأنه لو أراد أن يستخدمها فى حق نفسه لم يكن له ذلك، فلئلا يكون له ذلك فى حق غيره أولى، فصح أنها لا تجبر عليه أصلاً‏.‏

ومن رد الأمر فى ذلك إلى العادة والعرف، فلأن ذلك أصل محكوم به فى نفقته عليها وخدمتها له، فكذلك فى الرضاع إذا كانت ممن ترضع أو لا ترضع‏.‏

باب نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَىَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنِ الَّذِى لَهُ عِيَالَنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لا، إِلا بِالْمَعْرُوفِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ‏)‏‏.‏

وفيه‏:‏ وجوب نفقة الأهل والولد وإلزام ذلك الزوج، وإن كان غائبًا إذا كان له مال حاضر، واختلف العلماء فى ذلك، فقالت طائفة‏:‏ نفقتها عليه ثابتة فى غيبته، روى ذلك عن عمر بن الخطاب، وعن الحسن البصرى، وهو قول مالك، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبى ثور‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ ليس لها نفقة عليه إلا أن يفرضها السلطان، ولو استدانت عليه وهو غائب لم يفرض لها شيئًا‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ نفقات الزوجات فرض على أزواجهن، وقد وجب عليه فرض، فلا يسقط عنه لغيبته إلا فى حال واحدة، وهى أن تعصى المرأة وتنشز عليه وتمتنع منه، فتلك حال قد أجمع أهل العلم على سقوط النفقة فيها عنه إلا من شذ عنهم، وهو الحكم بن عتيبة وابن القاسم صاحب مالك، ولا يلتفت إلى من شذ عن الجماعة، ولا يزيل وقوف الحاكم عن إنفاذ الحكم بما يجب فرضًا أوجبه الله، والسنة مستقلة بنفسها عن أن يزيدها حكم الحاكم تأكيدًا، والفرائض والديون التى يجب أداؤها، والوفاء بالنذور، وما يجب فى الأموال من الجنايات على الأبدان مثلما يجب فى الحج من الصوم من كفارة وفدية لا يزيله وقوف الحاكم عن الحكم به‏.‏

ووجد حديث أبى هريرة فى هذا الباب، وإن كان فى صدقة التطوع وحديث هند فى الانتصاف من حق لها منعته، فإن المعنى الجامع بينهما أنه كما جاز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بغير أمره بما يشبه وتعلم أنه يسمح الزوج بمثله، وذلك غير واجب عليه ولا عليها أن تتصدق عنه بماله كان أخذها من مال الزوج من غير علمه ما يجب عليه ويلزمه غرمه أجوز أن تأخذه، ويقضى لها به، والله الموفق‏.‏

وفى حديث عائشة جواز القضاء على الغائب، وسيأتى فى كتاب الأحكام‏.‏

باب عَمَلِ الْمَرْأَةِ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا

- فيه‏:‏ عَلِىٌّ، أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِى يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ‏:‏ فَجَاءَنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ‏:‏ عَلَى مَكَانِكُمَا، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِى وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِى، فَقَالَ‏:‏ أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا- أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا- فَسَبِّحَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ‏.‏

وترجم له باب خادم المرأة‏.‏

وقال فيه على‏:‏ فما تركتها بعد، قيل‏:‏ ولا ليلة صفين‏؟‏ قال‏:‏ ولا ليلة صفين‏.‏

قال ابن حبيب‏:‏ إن الزوج إذا كان معسرًا وإن كانت الزوجة ذات قدر وشرف، فإن عليها الخدمة الباطنة كالعجن والطبخ والكنس وما شاكله، وهكذا أوضح لى ابن الماجشون وأصبغ‏.‏

قال ابن حبيب‏:‏ وكذلك حكم النبى، عليه السلام، على فاطمة بالخدمة الباطنة من خدمة البيت، وحكم على علىّ بالخدمة الظاهرة، وقال بعض شيوخى‏:‏ لا نعرف فى شىء من الأخبار الثابتة أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى على فاطمة بالخدمة الباطنة، وإنما كان نكاحهم على المتعارف بينهم من الإجمال وحسن العشرة، وأما أن تجبر المرأة على شىء من الخدمة، فليس لها أصل فى السنة، بل الإجماع منعقد على أن على الزوج مئونة الزوجة كلها‏.‏

وقال الطحاوى‏:‏ لم يختلفوا أن المرأة ليس عليها أن تخدم نفسها، وأن على الزوج أن يكفيها ذلك، وأنه لو كان معها خادم لم يكن للزوج إخراج الخادم من بيته، فوجب أن تلزمه نفقة الخادم على حسب حاجتها إليه، وذكر ابن الحكم عن مالك أنه ليس على المرأة خدمة زوجها‏.‏

وقال الطبرى‏:‏ فى حديث فاطمة الإبانة عن أن كل من كانت به طاقة من النساء على خدمة نفسها فى خبز أو طحين وغير ذلك مما تعانيه المرأة فى بيتها أو لا يحتاج فيه إلى الخروج أن ذلك موضوع عن زوجها إذا كان معروفًا لها أن مثلها تلى ذلك بنفسها، وأن زوجها غير مأخوذ بأن يكفيها ذلك، كما هو مأخوذ فى حال عجزها عنه إما بمرض أو زمانة، وذلك أن فاطمة إذ شكت ما تلقى فى يدها من الطحن والعجين إلى أبيها، وسألته خادمًا لعونها على ذلك، لم يأمر زوجها عليًّا بأن يكفيها ذلك، ولا ألزمه وضع مئونة ذلك عنها إما بإخدامها أو باستئجار من يقوم بذلك، بل قد روى عنه، عليه السلام، أنه قال لها‏:‏ ‏(‏يا بنية اصبرى، فإن خير النساء التى نفعت أهلها‏)‏‏.‏

وفى هذا القول من النبى، عليه السلام، دليل بين أن فاطمة مع قيامها بخدمة نفسها كانت تكفى عليًّا بعض مؤنه من الخدمة، ولو كانت كفاية ذلك على علىّ، لكان قد تقدم عليه السلام إلى علىّ فى كفايتها ذلك، كما تقدم إليه إذ أراد الابتناء بها أن يسوق إليها صداقها حين قال له‏:‏ ‏(‏أين درعك الحطمية‏؟‏‏)‏‏.‏

وغير جائز أن يعلم النبى صلى الله عليه وسلم أمته الجميل من محاسن الأخلاق ويترك تعليمهم الفروض التى ألزمهم الله، ولا شك أن سوق الصداق إلى المرأة فى حال إرادته الابتناء بها غير فرض إذا رضيت بتأخيره عن زوجها‏.‏

فإن قيل‏:‏ فإنك تلزم الرجل إذا كان ذا سعة كفاية زوجته الخدمة إذا كانت المرأة ممن لا يخدم مثلها‏.‏

قيل‏:‏ حكم من كان كذلك من النساء حكم ذوات الزمانة والعاهة منهن اللواتى لا يقدرن على خدمة، ولا خلاف بين أهل العلم أن على الرجل كفاية من كان منهن كذلك، فلذلك ألزمنا الرجل كفاية التى لا تخدم نفسها مئونة الخدمة التى لا تصلح لها، وألزمناه مئونة خادم إذا كان فى سعة، وبنحو الذى قلنا نزل القرآن، وذلك قوله‏:‏ ‏(‏لينفق ذو سعة‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 7‏]‏ الآية، وعليه علماء الأمة مجمعة‏.‏

وقال غيره‏:‏ وشذ أهل الظاهر عن الجماعة، فقالوا‏:‏ ليس عليه أن يخدمها إن كان موسرًا أو كانت ممن لا يخدم مثلها، وحجة الجماعة قوله‏:‏ ‏(‏وعاشروهن بالمعروف‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 19‏]‏، وإذا احتاجت إلى من يخدمها فلم يفعل لم يعاشرها بالمعروف‏.‏

وقال مالك، والليث، ومحمد بن الحسن‏:‏ يفرض لها ولخادمين إذا كانت خطيرة‏.‏

وقال الكوفيون والشافعى‏:‏ يفرض لها ولخادمها النفقة، وقد تقدم شىء من معنى هذا الباب فى كتاب النكاح فى باب الغيرة فى حديث أسماء‏.‏

وقوله‏:‏ باب خادم المرأة، فإن عامة الفقهاء متفقون أن الرجل إذا أعسر عن نفقة الخادم أنه لا يفرق بينه وبين امرأته، وإن كانت ذات قدر؛ لأن عليًا لم يلزمه النبى، عليه السلام، إخدام فاطمة فى عسرته، ولا أمره أن يكفيها ما شكت من الرحى‏.‏

قال المهلب‏:‏ وفى هذا الحديث من الفقه أن المرأة الرفيعة القدر يجمل بها الامتهان فى المشاق من خدمة زوجها مثل الطحن وشبهه؛ لأنه لا أرفع منزلة من بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم كانوا يؤثرون الآخرة ولا يترفهون عن خدمتهم احتسابًا لله وتواضعًا فى عبادته‏.‏

وفيه‏:‏ إيثار التقليل من الدنيا والزهد فيها رغبة فى ثواب الآخرة، ألا ترى إلى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ألا أدلكما على خير مما سألتما‏)‏، فدلهما على التسبيح والتحميد والتكبير‏.‏

باب خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ

- فيه‏:‏ الأسْوَدِ‏:‏ أنه سَأَل عَائِشَةَ، مَا كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِى الْبَيْتِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ كَانَ يَكُونُ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الأذَانَ خَرَجَ‏.‏

قال المهلب‏:‏ هذا من فعله، عليه السلام، على سبيل التواضع وليسن لأمته ذلك، فمن السنة أن يمتهن الإنسان نفسه فى بيته فيما يحتاج إليه من أمر دنياه وما يعينه على دينه، وليس الترفه فى هذا بمحمود ولا من سبيل الصالحين، وإنما ذلك من سير الأعاجم‏.‏

وفيه‏:‏ أن شهود صلاة الجماعة من آكد السنن، فلم يتخلف عن ذلك، عليه السلام، إلا فى مرضه، وكان شديد المحافظة عليها‏.‏

باب إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ هِنْدًا، قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ، يُعْطِينِى مَا يَكْفِينِى وَوَلَدِى، إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ‏)‏‏.‏

فى هذا الحديث من الفقه‏:‏ أنه يجوز للإنسان أن يأخذ من مال من منعه من حقه أو ظلمه بقدر ماله عنده، ولا إثم عليه فى ذلك؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز لهند ما أخذت من مال زوجها بالمعروف، وأصل هذا الحديث فى التنزيل فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 126‏]‏، وقد تقدم فى كتاب المظالم اختلاف العلماء فيمن يجحد وديعة ثم يجد المودع له مالاً هل يأخذ عوضًا من حقه أم لا‏؟‏ وفيه‏:‏ أن وصف الإنسان بما فيه من النقص على سبيل التظلم منه والضرورة إلى طلب الإنصاف من حق عليه أنه جائز وليس بغيبة؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها قولها‏.‏

واختلف العلماء فى مقدار ما يفرض السلطان للزوجة على زوجها، فقال مالك‏:‏ يفرض لها بقدر كفايتها فى اليسر والعسر، ويعتبر حالها من حاله، وبه قال أبو حنيفة، وليست مقدرة‏.‏

قال الشافعى‏:‏ هى مقدرة باجتهاد الحاكم فيها، وهى معتبرة بحال الزوج دون حال المرأة، فإن كان موسرًا فمدان لكل يوم، وإن كان متوسطًا فمد ونصف، وإن كان معسرًا فمد، فيجب لبنت الخليفة ما يجب لبنت الحارس‏.‏

وحجة مالك والكوفيون قوله‏:‏ ‏(‏لينفق ذو سعة من سعته‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 7‏]‏، ولم يذكر لها تقديرًا‏.‏

وقال لهند‏:‏ ‏(‏خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف‏)‏، فلم يقدر لها ما تأخذه لولدها ونفسها، فثبت أنها غير مقدرة وأنها على قدر كفايتها، وإنما يجب ذلك كله بالعقد والتمكين وهو عوض من الاستمتاع عند العلماء‏.‏

باب حِفْظِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِى ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَةِ عليه

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ عَلَيْهِ السَّلام‏:‏ ‏(‏خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ- وَقَالَ الآخَرُ‏:‏ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ- أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِى صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِى ذَاتِ يَدِهِ‏)‏‏.‏

وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ، عَلَيْهِ السَّلام‏.‏

قال المهلب‏:‏ فى هذا تفضيل نساء قريش على نساء العرب، وذلك لمعنيين‏:‏ أحدهما‏:‏ الحنو على الولد والتهمم بأمره وحسن تربيته وإلطافه‏.‏

والثانى‏:‏ الحفظ بذات يد الزوج وعونه على دهره، فى هاتين الخصلتين تفضل المرأة غيرها عند الله وعند رسوله، وكذلك يروى عن عمر أنه مدح المرأة التى تعين على الدهر ولا تعين الدهر عليك‏.‏

وقال الحسن فى تفسير هذا الحديث‏:‏ الحانية التى لا تزوج ولها ولد‏.‏

باب كِسْوَةِ الْمَرْأَةِ بِالْمَعْرُوفِ

- فيه‏:‏ عَلِىّ، آتَى إِلَىَّ النَّبِىُّ عليه السَّلام بِحُلَّةٍ سِيَرَاءَ فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ، فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِى‏.‏

أجمع العلماء أن للمرأة نفقتها وكسوتها بالمعروف واجبة على الزوج، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يجب أن يكسو ثياب بلد كذا، والصحيح فى ذلك ألا يحمل أهل البلدان على كسوة واحدة، وأن يؤمر أهل كل بلد من الكسوة بما يجرى فى عرف بلدهم، بقدر ما يطيقه المأمور على قدر الكفاية لها، وما يصلح لمثلها، وعلى قدر يسره وعسره، ألا ترى أن عليًّا شق الحلة بين نسائه حين لم يقدر على أن يكسو كل واحدة منهن بحلة كاملة، وكذلك قال عليه السلام لهند‏:‏ ‏(‏خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف‏)‏، ولو كان فى ذلك حد معلوم لأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فينبغى للحاكم أن يجتهد فى ذلك بقدر ما يراه‏.‏

باب عَوْنِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِى وَلَدِهِ

- فيه‏:‏ جَابِر، هَلَكَ أَبِى، وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ- أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ- فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ‏)‏‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ ‏(‏بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا‏)‏‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ بَلْ ثَيِّبًا، قَال‏:‏ ‏(‏فَهَلا جَارِيَةً، تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ‏)‏، قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ إِنَّ عَبْدَاللَّهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّى كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْ قَالَ‏:‏ خَيْرًا‏)‏‏.‏

عون المرأة زوجها فى ولده من غيرها ليس بواجب عليها، وإنما هو من حسن الصحبة وجميل المعاشرة، ومن سير صالحات النساء وذوات الفضل منهن مع أزواجهن، وقد تقدم هل يلزم المرأة خدمة زوجها‏.‏

باب نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ عَلَى أَهْلِهِ

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَتَى النَّبِىَّ عليه السَّلام رَجُلٌ، فَقَالَ‏:‏ هَلَكْتُ، قَالَ‏:‏ ‏(‏وَلِمَ‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِى فِى رَمَضَانَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏فَأَعْتِقْ رَقَبَةً‏)‏، قَالَ‏:‏ لَيْسَ عِنْدِى، قَالَ‏:‏ ‏(‏فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏)‏، قَالَ‏:‏ لا أَسْتَطِيعُ، قَالَ‏:‏ ‏(‏فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏)‏، قَالَ‏:‏ لا أَجِدُ، فَأُتِىَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَيْنَ السَّائِلُ‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَا أَنَا ذَا، قَالَ‏:‏ ‏(‏تَصَدَّقْ بِهَذَا‏)‏، قَالَ‏:‏ عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّه، فَوَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، قَالَ فَضَحِكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، قَالَ‏:‏ ‏(‏فَأَنْتُمْ إِذًا‏)‏‏.‏

إنما أراد البخارى فى هذا الحديث إثبات نفقة المعسر على أهله ووجوبها عليه، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أباح له إطعام أهله بوجود العرق من التمر، وهو ألزم له من الكفارة، وزعم الطبرى أن قياس قول أبى حنيفة، والثورى‏:‏ أن الكفارة دين عليه لا تسقطها عنه عسرته، وهو قول مالك وعامة العلماء وأصلهم أن كل ما لزم أداؤه فى اليسار لزم الذمة إلى الميسرة، إن شاء الله‏.‏

بَاب ‏{‏وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏

وَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُ شَىْءٌ‏؟‏ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 76‏]‏ الآية - فيه‏:‏ أُمِّ سَلَمَةَ، قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ، لِى مِنْ أَجْرٍ فِى بَنِى أَبِى سَلَمَةَ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا هُمْ بَنِىَّ، قَالَ‏:‏ ‏(‏نَعَمْ لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ هِنْدُ، قالت‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِينِى وَبَنِىَّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏خُذِى بِالْمَعْرُوفِ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏، فروى عن ابن عباس، قال‏:‏ عليه أن لا يضار، وهو قول الشعبى، ومجاهد، والضحاك، ومالك، قالوا‏:‏ عليه أن لا يضار ولا غرم عليه‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ على الوارث ما كان على الوالد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له‏.‏

ثم اختلفت هذه الطائفة فيمن الوارث الذى عناه الله فى هذه الآية على أقوال‏:‏ فقالت طائفة‏:‏ هو كل وارث للأب أبًا كان أو عمًا، أو ابن عم، أو ابن أخ، روى هذا عن الحسن البصرى، قال‏:‏ ‏(‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏، قال‏:‏ على الرجال دون النساء، وهو قول النخعى ومجاهد‏.‏

وقال آخرون‏:‏ هو من ورثته من كان ذا رحم محرم للمولود، فمن كان ذا رحم وليس بمحرم كابن العم والمولى، فليس ممن عناه الله بالآية، هذا قول أبى حنيفة وأصحابه‏.‏

وقال آخرون‏:‏ الذى عنى الله بقوله‏:‏ ‏(‏وعلى الوارث مثل ذلك ‏(‏هو المولود نفسه، روى هذا عن قبيصة بن ذؤيب، والضحاك، وتأولوا على الوارث المولود ما كان على المولود له‏.‏

وقال آخرون‏:‏ هو الباقى من والدى المولود بعد وفاة الآخر منهما، وهذا يوجب أن تدخل الأم فى جملة الورثة الذين عليهم أجر الرضاع، فيكون عليها رضاع ولدها واجبًا إن لم يترك أبوه مالاً، روى هذا القول عن زيد بن ثابت، قال‏:‏ إذا خلف أمًا وعمًا، فعلى كل واحد رضاعه بقدر ميراثه، وهو قول الثورى‏.‏

وإلى رد هذا القول أشار البخارى بقوله‏:‏ وهل على المرأة منه شىء‏؟‏ يعنى من رضاع الصبى ومئونته، فذكر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 76‏]‏، شبه منزلة المرأة من الوارث منزلة الأبكم الذى لا يقدر على النطق من المتكلم، وجعلها كلا على من يعولها، وذكر حديث أم سلمة والمعنى فيه أن أم سلمة كان لها ابنًا من أبى سلمة، ولم يكن لهم مال، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم إن كان لها أجر فى الإنفاق عليهم مما يعطيها النبى صلى الله عليه وسلم، فأخبرها أن لها أجرًا فى ذلك، فدل هذا الحديث أن نفقة بنيها لا تجب عليها، ولو وجبت عليها لم تقل للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ولست بتاركتهم‏)‏، وبين لها النبى صلى الله عليه وسلم أن نفقتهم واجبة عليها سواء تركتهم أو لم تتركهم‏.‏

وأما حديث هند، فإن النبى، عليه السلام، أطلقها على أخذ نفقة بنيها من مال الأب، ولم يوجبها عليها كما أوجبها على الأب، فاستدل البخارى أنه لما لم يلزم الأمهات نفقة الأبناء فى حياة الآباء، فكذلك لا يلزمها بموت الآباء، وحجة أخرى وذلك أن قوله‏:‏ ‏(‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏، يعنى رزق الأمهات وكسوتهن من أجل الرضاع للأبناء، فكيف يعطيهن فى أول الآية وتجب عليهن نفقة الأبناء فى آخرها‏.‏

وأما من قال‏:‏ ‏(‏وعلى الوارث مثل ذلك ‏(‏، هو الولد، فيقال له‏:‏ لو أريد بذلك الولد لقال تعالى‏:‏ وعلى المولود مثل ذلك، فلما قال‏:‏ ‏(‏وعلى الوارث مثل ذلك ‏(‏، وكان الوارث اسمًا عامًا يقع على جماعة غير الولد، لم يجز أن يخص به الولد ويقتصر عليه دون غيره إلا بدلالة بينة وحجة واضحة‏.‏

قال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ وأما قول أبى حنيفة فى إيجابه رضاع الصبى ونفقته على كل ذى رحم محرم، مثل أن يكون رجل له ابن أخت صغير محتاج وابن عم صغير محتاج وهو وارثه، فإن النفقة تجب على الخال لابن أخته الذى لا يرثه، وتسقط عن ابن العم لابن عمه الذى يرثه، فقالوا قولاً ليس فى كتاب الله، ولا نعلم أحدًا قاله، وإنما أوجب بعضهم الرضاعة على الوارث لما تأول من القرآن، وأسقط بعضهم ذلك عنه لما تأول أيضًا، وهم الذين قالوا‏:‏ على الوارث ألا يضار، ولا غرم عليه، فأما النفقة على كل ذى رحم محرم، فليس فى قولهم تأويل للقرآن، ولا اتباع للحديث، ولا قياس على أصل يرجع إليه، ومذهب مالك فى هذا الباب أنه لا تجب نفقة الصغير إلا على الأب خاصة، وهو المذكور فى القرآن فى قوله‏:‏ ‏(‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏، وفى قوله‏:‏ ‏(‏وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 6‏]‏‏.‏

فلما وجب على الأب الإنفاق على من ترضع ولده وجب عليه النفقة على ولده إذا خرج من الرضاع ما دام صغيرًا، ووجب أن يغذى بالطعام كما كان يغذى بالرضاع، ولم تجب النفقة على الوارث لما فى تأويل الآية من الاختلاف، وليس مجراهم فى النظر مجرى الأب؛ لأن الأب وجب عليه رضاع ولده حين ولد، ولم يجب على غيره من ورثته، فلا يرجع ذلك عليهم بعد أن لم يكن واجبًا فى الأصل إلا بحجة، وكان يجب على قولهم‏:‏ إذا مات الرجل عن امرأته وهى حامل ولم يخلف مالاً أن يلزموا العصبة النفقة على المرأة من أجل ما فى بطنها، وكان يجب على مذهب أبى حنيفة أن يلزموا كل ذى رحم محرم النفقة على هذه الأم من أجل ما فى بطنها، كما يلزموا أجر رضاعه إذا أرضعته أمه؛ لأنهم إنما يلزمون الرحم النفقة على الأم التى ترضع المولود من أجل المولود‏.‏

باب قَوْلِ النَّبِىِّ عَلَيْهِ السَّلام‏:‏ ‏(‏مَنْ تَرَكَ كَلا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَىَّ‏)‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، كَانَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلا‏؟‏ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عليه، وَإِلا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ‏:‏ ‏(‏صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ‏)‏، الحديث، إلى قوله‏:‏ ‏(‏فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَىَّ قَضَاؤُهُ‏)‏‏.‏

وقد تقدم فى باب الكفالة والحوالة‏.‏

باب الْمَرَاضِعِ مِنَ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ

- فيه‏:‏ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِى بِنْتَ أَبِى سُفْيَانَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏وَتُحِبِّينَ ذَلِكِ‏)‏‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِى فِى الْخَيْرِ أُخْتِى، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ ذَلِكِ لا يَحِلُّ لِى‏)‏، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ‏)‏‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ ‏(‏فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِى فِى حَجْرِى مَا حَلَّتْ لِى، إِنَّهَا بِنْتُ أَخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِى وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَىَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ‏)‏‏.‏

وقال عُرْوَةُ‏:‏ ثُوَيْبَةُ أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ‏.‏

قال المهلب‏:‏ الترجمة صحيحة، وكانت العرب فى أول أمرها تكره رضاع الإماء، وتقتصر على العربيات من الظئورة، طلبًا لنجابة الولد، فأراهم النبى صلى الله عليه وسلم أنه قد رضع فى غير العرب، وأن رضاعة الإماء لا يهجن‏.‏

وفيه‏:‏ أن الأخوة بالرضاع حرمتها كحرمة الأخوة من النسب‏.‏

وقول النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بنت أم سلمة‏)‏، إنما هو على وجه التقرير على تصحيح المسألة؛ لأنه قد كان يجوز للنبى صلى الله عليه وسلم أن ينكح بنات أبى سلمة من غير أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها حلال عند جماعة الفقهاء؛ لأنه ليس بينهما نسب، وقد تقدمت هذه المسألة فى كتاب النكاح فى باب ما يحل من النساء ويحرم‏.‏

وقوله فى الترجمة‏:‏ ‏(‏المواليات‏)‏، كان الأقرب أن يقول‏:‏ الموليات جمع مولاة، و ‏(‏المواليات‏)‏ جمع موالى، جمع التكسير، ثم جمع موالى جمع السلامة بالألف والتاء، فصار مواليات جمع الجمع، والحمد لله وحده‏.‏

مسألة الكفلاء الستة

وذلك أن رجلاً باع لست رجال سلعة بستمائة درهم‏:‏ زيد، وعمرو، وعبد الله، وسليمان، وعبد الصمد، وعبد الواحد، فلقى رب المال زيدًا، فأخذه بالستمائة، ثم إن زيدًا لقى عمرًا، فقال له زيد‏:‏ أعطنى ما أعطيت عنك، وذلك مائة درهم ومائتين من قبل الكفالة التى تكفلنا بها، فيصبح على عمرو ثلاثمائة وعلى زيد ثلاثمائة‏.‏

ثم إن عبد الله لقيه عمرو، فقال له‏:‏ أعطنى خمسين أديتها عنك، وأنا وأنت كفيلان بمائة وخمسين، فيكون عليك النصف منها وعلىّ أنا النصف، وذلك خمسة وسبعون، فقد أديت بالكفالة خمسة وسبعين، وكذلك أنت أيضًا، فجملة ما أدى عبد الله خمسة وعشرون ومائة‏.‏

ثم إن عبد الله لقيه زيد، فقال له زيد‏:‏ أعطنى ما أديت عنك، وذلك خمسة وخمسون ومائة بينى وبينك من الكفالة، فقال له عبد الله‏:‏ فقد أديت أنا أيضًا لعمرو خمسة وسبعين من الكفالة، فنقسم أنا وأنت المائة وخمسين والخمسة وسبعين، وذلك مائتان وخمسة وعشرون، اثنا عشر ونصف ومائة عليك، وكذلك علىّ أيضًا‏.‏

ثم إن سليمان لقيه زيد، فقال‏:‏ أديت اثنا عشر ونصف ومائة من قبل الكفالة، وعليك منها الثلث، وذلك سبع وثلاثون ونصف، وتبقى خمسة وسبعون بينى وبينك من الكفالة، فيجب عليك منها سبعة وثلاثون ونصف‏.‏

ثم إن سليمان لقيه عمرو، فقال له‏:‏ أعطنى ما أعطيت عنك؛ لأنى أعطيت من قبل الكفالة خمسة وسبعين، عليك منها الثلث، وذلك خمسة وعشرون، ثم أقسم أنا وأنت خمسين التى بقيت، فقال له سليمان‏:‏ قد أديت لزيد أنا سبعة وثلاثين ونصف من طريق الكفالة، فاجمع خمسين وسبعة وثلاثين ونصفًا، فذلك سبعة وثمانون ونصف، النصف منها ثلاثة وأربعون وثلاثة أرباع على كل واحد منا‏.‏

ثم إن سليمان لقيه عبد الله، فقال له‏:‏ يا عبد الله، أعطنى ما أديت عنك وذلك ثلث اثنى عشر ونصف ومائة، وهو سبعة وثلاثون ونصف، وتبقى خمسة وسبعون أديتها بالكفالة أغرمها أنا وأنت، قال له سليمان‏:‏ قد أديت أنا أيضًا ثلاثة وأربعين وثلاثة أرباع، فتجمع خمسة وسبعين مع ثلاث وأربعين وثلاثة أرباع، فجملة ذلك مائة وثمانية عشر وثلاثة أرباع، عليك منها النصف، وذلك تسعة وخمسون وثلاثة أثمان، وكذلك علىّ أنا أيضًا‏.‏

ثم إن عبد الله لقيه زيد، فقال له زيد‏:‏ قد بقى لى مما أديت من الكفالة سبعة وثلاثون ونصف، فعليك النصف منها، وذلك ثمانية عشر وثلاثة أرباع، ثم أقسم معك ما بقى، وذلك ثمانية عشر وثلاثة أرباع، فيجب عليك تسعة وثلاثة أثمان من طريق الكفالة، وكذلك علىّ أنا أيضًا‏.‏

ثم إن عبد الصمد لقيه عمرو، فقال‏:‏ أعطنى ما أعطيت عنك، وذلك نصف ثلاثة وأربعين وثلاثة أرباع، وأخذ منها نصفًا وهى أحد وعشرون وسبعة أثمان، ثم إن عمرًا يقول له‏:‏ أقسم معك أحد وعشرين وسبعة أثمان، فيقول عبد الصمد‏:‏ قد أديت أنا أيضًا من طريق الكفالة تسعة وثلاثة أثمان، فيجتمع أحد وعشرون وسبعة أثمان من تسعة وثلاثة أثمان، فذلك ثلاثون وعشرة أثمان على كل واحد منهما خمسة عشر وخمسة أثمان‏.‏

ثم إن عبد الصمد لقيه عبد الله، فقال له عبد الله‏:‏ أعطنى ما أعطيت عنك، وذلك نصف تسعة وخمسين وثلاثة أثمان، فقال له عبد السمد‏:‏ نعم، هى لك علىّ، وذلك تسعة وعشرون وخمسة أثمان ونصف ثمن، ثم إننى أقسم معك ما بقى، وهى تسعة وعشرون وخمسة أثمان ونصف ثمن، فقال له عبد الصمد‏:‏ قد أديت أنا أيضًا خمسة عشر وخمسة أثمان، فاجمع ذلك وهو خمسة وأربعون وثمنان ونصف الثمن، فيجب عليك منها اثنا وعشرون وخمسة أثمان وربع الثمن، وكذلك أنا أيضًا‏.‏

ثم إن عبد الصمد لقيه سليمان، فقال له سليمان‏:‏ أعطنى ما أعطيت عنك، وذلك نصف تسعة وخمسين وثلاثة أثمان من طريق الكفالة، فأخذ منها نصفًا، وذلك تسعة وعشرون وخمسة أثمان ونصف، ثم قال له سليمان‏:‏ نقسم معك ما بقى، فقال له عبد الصمد‏:‏ قد أديت أنا أيضًا اثنين وعشرين وخمسة أثمان وربع الثمن من قبل الكفالة، فجمعنا ذلك فهو اثنان وخمسون وثلاثة أرباع الثمن، وكذلك أيضًا أديت أنا‏.‏

هذه المسألة ليست من الشرح فتأمل‏.‏